¤ الســـؤال:
أكتب رسالتي هذه وأنا خجلة بل أموت خجلاً وحياءً من الله تبارك وتعالى أولاً ثم من نفسي الدنيئة ومن حضرتكم المحترمة، ولكن حاجتي لإستشارتكم تفوق خجلي.
بلا إطالة، أنا مراهقة أبلغ من العمر 17 عاماً.. منذ طفولتي المبكرة بدأت في عمل شيءٍ غريب -علمت بعد ذلك أنه يسمى بالعادة السرية- منذ طفولتي وهذا الأمر معي كنت ألجأ له في لحظات مللي وضيقي لأبتعد عن همومي، واليوم وبعد كل هذه السنوات لا زلت أمارس هذا الفعل المحرم لم أكن أعي بأنه محرم!.
إنني كثيراً ما تضيق الدنيا في نفسي وأكره نفسي الدنيئة، حاولت التقرب لله وفعلت، ولكني سرعان ما عدت لها بشغف أكبر، شغلت نفسي بمختلف الأمور ولكني عدت لها، فلطفاً خذوا بيدي إلى الطريق الصحيح أعطاكم الله الصحة والعافية.. ما الحل كيف أقلع عن عادتي؟
* الجـــواب:
أختي الكريمة! السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
بداية يسعدني أن أستقبل رسالتك واستشارتك بكل ما تحمله من صراحة وصدق في عرض مشكلتك، وأشكرك على ثقتك بالموقع وبأهله وطلبك للمساعدة، وهذا أعتبره مفتاح نجاحك، لأنك قررت وبجرأة أن تتحرري مما يستعبدك أو يضعفك، فلقد وضعت قدمك على أول الطريق، وسلكت أولى الخطوات العملية التي ستساعدك في طريق العلاج، وهي بشارة خير لك إن شاء الله، ودائمًا ستجدين من يساعدك في أية مشكلة تواجهك في حياتك خاصة خلال هذه المرحلة العمرية، ما دمت قررت من داخلك وعزمت على الإستقامة وإصلاح نفسك، ولكن كيف تحققي هذا التغيير؟
=أولًا: التغيير يبدأ من الداخل، تطبيقًا لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، بمعنى أنك أنت إبتداء عليك أن تقرري أن تتغيري وتعزمي على ذلك بصورة عملية، وتؤمني بأنك قادرة على أن تنجحي في ذلك.
=ثانياً: إحرصي على أن تحافظي على جمال نفسك وبهاء روحك، فتشعري بنور الله يلقيه عليك، ويضيء باطنك وظاهرك بهجة وسرورًا.
=ثالثاً: حاولي أن تعالجي قلبك، وتنظري إليه من مرآة نفسك كما تنظرين لشكلك من مرآة زجاجية تعكس صورتك، وجربي نوعًا جديدًا ومختلفًا هو أن تعري هذا القلب بدل أن تعري جسمك وتمارسين ما يغضب الله تعالى، ستكتشفين حينها أن بداخل هذا القلب أمراضًا ومتاعب ومشاكل متراكمة، وستلاحظين بجهاز البصيرة مواطن القبح فيه ومواطن الجمال فيه، كما لاحظت بعد كل مرة تعرين فيها نفسك مدى قبح الفعل الذي تقدمين عليه، ولو أنك إستشعرت قبلها لذة ومتعة قصيرة.
=رابعاً: دربي نفسك بنفسك على أن تكوني طبيبة قلبك، إستجلبي له الأدوية المعالجة وزوديه بالغذاء الطيب النافع، وتعلمي كيف ترتقين بذوقك وإختياراتك، فلا تشاهدي ولا تسمعي إلا ما يرضي الله تعالى، ولا تصاحبي ولا ترافقي إلا من تثقين بهم في أخلاقهم وسلوكهم والتزامهم، ومن يعينك منهم على طاعة الله ورضاه، وكوني دقيقة في مراقبة قلبك، لا تدعي أبوابه مشرعة لكل الأمراض تسكن فيه، إنما زينيه بالأشياء الرائعة والثمينة والغالية، وابدئي من الآن في علاجه وتنقيته وتصفية مجاريه بالطاعة والتقرب إلى الله، بالقول والفعل، كإغتنام الأيام المسنونة لصوم النافلة، وفي كل الأوقات التي تجدين في نفسك قوة ونشاطًا على الصيام، وليكن صيامك يحقق لديك أرقى معانيه وحكمه ومقاصده العليا ومنافعه للنفس، من خلال صوم البطن واللسان والعين والفرج وكل الجوارح، فهذا سيكون لك وجاء، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم حين أرشد الشباب المسلم بقوله: «يا معشر الشباب! من إستطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».
كذلك ثابري وإجتهدي على أن يكون لك نافلة من الصلاة زيادة على الصلاة المفروضة، مثل السنن الرواتب، وكذلك خصصي وقتًا من الليل للقيام إما في أوله أو وسطه، ومن الأفضل القيام عند الثلث الأخير من الليل، لأنه أفضل الأوقات ينزل فيها رب العالمين إلى السماء الدنيا فيقول: «أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له».
فإغتنمي هذا الوقت في الإلحاح على الله في الدعاء ليطهرك من هذه الخطيئة، ويصرف نفسك عن هذه المعصية، ويقويك على تطهير نفسك وتزكيتها.
كذلك إستعيني على تحصين نفسك بتخصيص وقت لك فيه ورد لقراءة القرآن وورد لحفظه، إلى جانب المحصنات الشرعية الأخرى من أذكار اليوم والليلة، فهي ستحفظك وتقويك على ضعفك أمام شهوات نفسك، وستحميك من السقوط في حمأة الرذيلة أو الإنزلاق في مهاوي الخطيئة..
وبالمداومة على هذا ستلمسين بشكل محسوس نور الطاعة والحسنة، فإن لها ضياء ونورًا في القلب وينعكس على الوجه، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة لنورًا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وغبرة في الوجه، وضعفًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
=خامساً: جميل أن تشعري بالخجل، ولكن الأجمل منه أن تشعري به في وقته ومكانه، بمعنى أن تدركي أن الخجل الحقيقي ليس في أن تحملي قلمك وتدوني مشكلتك وتعرضينها على من يساعدك أو يرشدك، بالعكس أنت هنا عليك أن تكوني جريئة في محاسبة نفسك، المحاسبة التي تدعوك للإعتراف بأخطائك مهما بلغت حدتها وحجمها، حتى لو بلغت عنان السماء، لأن هناك دائمًا ربًا غفورًا رحيمًا، وهناك دائمًا بابًا مفتوحًا أمام كل عاص مذنب هو باب التوبة النصوح والمغفرة، ولكن هذا الباب لا يلجه إلا من نظف نفسه وطهرها بالإستقامة على الطريق، وجملها وزينها بمكارم الأخلاق، والقيم والفضائل.. ومن حلاَّها بالصفاء والنقاء والعفة..
إن الخجل الحقيقي أختي الكريمة ينبغي أن تشعري به أول لحظة تفكرين فيها أن تقدمي على الذنب وقبل الوقوع فيه، لا بعد أن تسقطي في مهالكه.
إنها لحظة غالية وثمينة وهي تحدد مصيرك، فمع من تختارين أن تحشري، هل مع أهل اليمين أم مع أهل الشمال؟ ومن تختارين أن يسجل عليك هل ملك اليمين أم ملك الشمال؟ وأي كتاب تحبين أن يدون فيه هل في كتاب الحسنات أم في كتاب السيئات؟
قبل أن تقرري توقفي وفكري دائمًا في النتيجة، عودي نفسك على أن تفكري قبل أن تقرري، وأن يكون عقلك دائمًا حاضرًا يقظًا نشطًا، فيعقل ويزِن كل ما تقولينه وكل ما تفعلينه.
وعودي نفسك على التفكير الإيجابي وامتلاك القدرة على إدارة ذاتك والتحكم فيها، والتخطيط قبل التنفيذ، فطريق النجاح يبدأ بالتفكير الإيجابي.
كذلك إعملي على إمتلاك مفاتيح التحكم في ذاتك، ولا تتحركي في حياتك عبثًا بلا خارطة طريق ولا بوصلة، هائمة في الأرض كورقة في مهاب الرياح، تتقاذفك الأهواء حيثما مالت بك تميلين، بل كوني مثالًا للشابة المسلمة الحقيقية، التي تنشأ في طاعة الله، وهواها تبعًا لما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس تبعًا لما تحدثها به نفسها من النزغات والنفثات الشيطانية.
=سادسًا: إستحضري رقابة الله بشكل أقوى، حتى تمتلكي بذلك حصانة قوية، وإحساسًا يصاحبك بالخجل من ربنا، أن يراك في سرك أو علنك على معصية، ويطلع على كل الأشياء التي تقترفينها، وتذكري قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19].
وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4].
وقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16].
فهذه الآيات.. وغيرها كفيلة بأن تبعث فيك شعورًا حقيقيًا بالخجل من الله، وهي ستلزمك تقواه، ومراقبة أقوالك وأفعالك، مراقبة من يعلم أن الله يراه وإن كان الشخص لا يراه، فترتقين بالتدريج درجات الإحسان التي منها: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشرح معنى الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
حينها ستطعمين لذة العبادة بكل جوارحك، بقلبك وعينك وسمعك وجسمك وروحك، عبادة من يعلم أن روحه وجسمه أمانة استخلف عليها ليصونها ويحفظها ويكرمها.
=سابعاً: أختي الكريمة الشابة! أنت في عمر جميل هو عمر الزهور المتفتحة، وعمر نشاط الفكر والعاطفة، وعمر ميلاد وتفتق الأحلام وثورة الطموح، وعمر الجدَّة والإنفعال والقوة في كل شيء، فحاولي أن تغتنمي هذه المرحلة العمرية لإكتساب الهمة والعزيمة القوية والجرأة في مواجهة كل ما يضعفك أو يكسرك، أو يفسد حياتك ومستقبلك.
=ثامناً: إصنعي لنفسك أهدافًا حقيقية، ورسالة سامية وواضحة تؤمنين بها وتناضلين لأجلها، وأفكارًا مبدعة تنجزينها بالحياة، وليكن عندك تفكير متواصل كيف أبدع؟ وكيف أنجح؟ وكيف أصنع ما يميزني، وما يضاعف حسناتي، وما يجعلني أقوم بدعوتي وبعبادتي وبعملي وبعلمي؟
خططي من الآن لأمور حياتك وواجهي النتائج قبل الوقوع فيها بكل شجاعة وثبات، وإجعلي من أهدافك تحصيل العلم بأي تخصص تميلين إليه، المهم أن تحصلي علمًا تنجحين من خلاله وتنمين مؤهلاتك، وإسلكي الطريق الذي يرقى بقلبك وفكرك وجوارحك، ويغير مجرى حياتك تمامًا وإهتماماتك وطريقة تفكيرك، وجربي أحاسيس لذة النجاح ومتعة إنتصارك على كل عقبة وكل معصية وكل ضعف بداخلك، امتلكي طموحًا تنجزين به عظائم الأمور، وقولي في نفسك: كيف ينبغي علي أن أكون بعد 17 سنة أو 10 سنوات أو 5 سنوات؟ كيف أحب أن أكون ومع من أكون؟ وكيف أؤهل نفسي وأربيها وأقومها وأعدها الإعداد الطيب لتكون لي إسهامات في تنمية أسرتي ومجتمعي وأمتي، ولأكون زوجة صالحة وأمًا مربية؟
تخيلي مستقبلك كيف سيكون لو بقيت على هذا الوضع، ولم تتحرري منه نهائيًا، وتذكري دائمًا أنك تصنعين من اللحظة مستقبلك وتاريخك، فإياك أن تحملي بعد الآن معولًا يهدم حياتك ويفسد أحلامك، مهما بلغت حدة رغباتك، تحكمي بها ونظميها، وحافظي على إعتدالها وتوازنها حتى تخرج للنور في وقتها ومكانها الصحيح بعد الزواج إن شاء الله.
في الختام: أنصحك أن تغتنمي شبابك قبل هرمك، وأن تكوني من الشباب الذين نشئوا في طاعة الله، فإستحقوا أن يكونوا من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله.
أتمنى من الله العلي القدير أن أكون قد قدمت لك بعض النصائح التي تساعدك، وهي إشارات كإشارات المرور، والسائق الماهر هو من يعرف كيف يقود سيارته بطريقة جميلة مع إحترامه لقانون السير، وأعتقد أنك ستنجحين في قيادة نفسك ورغباتك وغرائزك بشكل جيد، لتؤكدي على أنك فعلاً قوية في مراقبة سلوكك وتصرفاتك ولست ضعيفة، وأتمنى أن أستقبل منك رسائل تثبت عمليًا أنك فعلًا تستحقين نجمة ذهبية، هي نجمة النجاح، لأنك تفوقت في التعامل مع نفسك بفاعلية فَقُدتِ مركبك في بحر الفتن والشهوات حتى وصلت لبر الأمان.
أجاب عنها: صفية الودغيري.
المصدر: موقع المحتسب.